تحدث الدكتور محمد صابة، الباحث الزائر بالمركز عن أثر الجدل الفلسفي على حركة التاليف في الأندلس ما بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، فقال: إن التطوّر الفكري وفهم تعاليم الاسلام، والاستفادة من النتاج الفكري في الحضارات الأخرى، وتشجيع سلطة دويلات الطوائف للحركة العلمية، ترك أثراً واضحاً في هذا المجال، ويبقى أهل السُنة والجماعة أكثر الفرق، تأثيراً في جانبه الفقهي والكلامي والفلسفي، حيث مثّلت مالكية الأندلس السواد الغالب، وأضحوا نقطة ارتكاز في دائرة هذا الجدل، كما يبقى الاختلاف بين الفرق الإسلامية من أهم عوامل تنشيط الجدل الذي انعكس إيجاباً على حركة التأليف في الأندلس.
أمّا عن ظاهرة الجدل الفلسفي، فأشار إلى أنها كانت من اختصاص العلماء والفقهاء، فهو من أعقد أنواع الجدل، وتأكد ذلك من خلال المسائل والقضايا، التي أثارها فلاسفة الأندلس خلال القرن السادس الهجري/ العاشر للميلادي، حيث تجاوز هذا النوع من الجدل المسائل، وجذور الشريعة من فقه وعقيدة إلى ما هو أشمل في طرح مسائل الجدل الفلسفي للوصول إلى وفاق واتفاق، حتى لا يستمر التناقض والتناحر بين ما هو شرعي وما هو فلسفي، وكان لهذه الظاهرة أثرها الإيجابي في التراث الإسلامي.
ولأن الجدل الفلسفي يتداخل والجدل الكلامي، فوجب التمييز بينهما، فالجدل الفلسفي هو استعمال فن الجدل من أجل حل القضايا والمتناقضات الفلسفية، وهو نسق عقلي يُعتمد عليه في تفنيد الأفكار ومناقشتها بطريقة منطقية عقلية، بينما الجدل الكلامي هو مناقشة مسائل العقيدة، وهو ما ظهر في التاريخ الإسلامي باستخدام الجدل الكلامي في التأويل المعتزلي والأشعري.
ثم قسم المحاضر الجدل الفكري في الأندلس إلى ثلاث مراحل: فقهية، وكلامية، وفلسفية، وكان من مميزات هذا الجدل أن خلّف مؤلفات أضحت مرجعية فقهية، يُستأنسُ بها لإصدار بعض الفتاوى، كما أكّد جدل فقه الفروع على فشل الفقهاء في التعاطي مع جدل الأصول، ممّا يكشف حينها على طبيعة المستوى الاجتهادي عند هؤلاء الفقهاء، فانعكس ذلك سلباً على حركة الاجتهاد، والتي كان من المفروض أن تساير حركة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية.
وخلص إلى أن الجدل الفكري هو الأسلوب الوحيد القادر على تجاوز التناقضات العقائدية والتساؤلات الفلسفية، سواء كان ذلك، تناظراً فقهياً أو جدلاً كلامياً، أو ردّاً من خلال التأليف.