في إطار فعاليات العام الثقافي قطر - روسيا (2018) نظم المركز بالتعاون مع الملتقى القطري للمؤلفين، ندوة بعنوان العلاقات القطرية الروسية.. أوراق من الأرشيف الروسي ، حاضر فيها الكاتب الروسي سرجي بليخانوف، فذكر أن الوجود الروسي في الخليج العربي أقدم من الوجودين البرتغالي والبريطاني، موضحًا أن أول روسي وصل إلى الخليج العربي، تاجر يُدعى أفاناسي نيكيتين . وقد يكون هناك أشخاص آخرون وصلوا إلى هذه المنطقة، إلا أن نيكيتين كان أول من وصف رحلاته، حيث زار هرمز وبندر عباس قبل ثلاثين سنة من وصول سفن فاسكو دا جاما إلى المحيط الهندي، ولا أدري ما إذا كانت وثائق نيكيتين قد تُرجمت إلى اللغة العربية، وإن لم يكن كذلك، فعين الصواب الإنطلاق منها لتوفير مجموعة مصادر روسية حول المنطقة.
ولا شك في أن الشق الأكبر من المعلومات الأهم حول تاريخ قطر متوفرة في أرشيف الامبراطوريتين البريطانية والعثمانية، إلا أن المصادر الروسية كذلك توفر معلومات تمكننا من إثراء معرفتنا بعهد تأسيس دول قطر، وذلك لأن الروس كانوا منافسين للأتراك والبريطانيين في بسط نفوذهم في المنطقة. فقد أُطلق على الفترة الأكثر إثارة في تاريخ الصراع بين سان بطرسبورج ولندن اسم اللعبة الكبرى ، حيث كانت بلاد فارس منطقة التنافس الأساسية، إذ كان يُعتقد أنها تقع في منتصف الطريق إلى الهند، التي كانت أهم مصدر ثروة بالنسبة لبريطانيا. ولم تقل منطقة الخليج عنها من حيث الأهمية الاستراتيجية؛ فطرق النقل كانت تمر منها، كما أنها كانت نقطة اتصال تربط المستعمرة بالدولة الكبرى. وكان القلق ينتاب بريطانيا كلما ظهرت سفينة حربية أجنبية في حوض هذا المحيط. وكان خط الملاحة الذي أنشأه الروس بين أوديسا والبصرة، مع مطلع القرن العشرين، بمثابة أول وجود دائم لدولة أوروبية، في منطقة أرادت بريطانيا بسط النفوذ عليها.
وبدأت روسيا بافتتاح قنصليات لها على طول سواحل الخليج؛ مما يوحي بأن المعلومات الواردة إلى سان بطرسبورج لم تعد تستند إلى المصادر البريطانية أو العثمانية. وهكذا يمكن لوثائق أرشيف وزارة الخارجية الروسية، وأركان الحرب، وسلاح البحرية وغيرها أن تسهم في تكوين نظرة مختلفة عن الأحداث، التي جرت في المنطقة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد أُعيد تشكيل الأرشيف الروسي، وتغيير اسمه أكثر من مرة، ونُقل مع انتقال العاصمة إلى موسكو، وأُفرغت محتوياته خلال الحرب العالمية الثانية. ولهذا السبب لم يكن حفظ هذه الوثائق ثابتًا، وأصبح الوصول إلى العديد منها أمرًا متعذرًا. كما أصبحت العديد من المحفوظات، التي كانت سرية، متاحة للباحثين أسرع مما يحدث في بلدان أخرى؛ وذلك بفضل الثورات. وكان الأمر يتعلق بالدرجة الاولى بوثائق فترة حكم الإتحاد السوفيتي. ويمكن للمهتم بالعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، وفي شبه الجزيرة العربية، أن يستعرض سجلات هيئات مثل الكومنترن (الشيوعية الدولية، التي استمرت حتى عام 1943)؛ وإدارة العلاقات الخارجية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي (والتي استمرت حتى عام 1991).
ويمكن العثور على بعض الوثائق حول قطر في أرشيف السفارة الروسية في اسطنبول؛ وفي قنصليات بغداد والبصرة. ومن المرجح العثور على وثائق هامة في سفارة طهران؛ وفي قنصليات أصفهان وبوشهر وبندر عباس. ومن المهم بالنسبة للباحثين أن يطلعوا على مواد فترة حكم الإتحاد السوفيتي، التي اتسمت بطابع الفكر الماركسي. فتلك المواد تقدم نظرة مختلفة حول العديد من الأحداث، مقارنة بالتفسيرات الغربية لها. وبالرغم من أن تلك الكتابات قد أصبحت مجرد أعمال تاريخية، إلا أنها تساعد على فهم أسباب التنافس السياسي خلال عقود الحرب الباردة. ولا بد من أن يشارك مختلف المختصين في العمل على هكذا نسخة. فهم بالدرجة الأولى أولئك الذين يمكنهم تكريس الوقت ولديهم القدرة على العمل في الأرشيف ومكتبات موسكو وسان بطرسبورج المتخصصة؛ وفي معهدي الدراسات الشرقية والمخطوطات الشرقية.