تأليف: محمد همام فكري
صادر عن مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية – 2025
يمثل هذا الكتاب امتدادًا علميًا وتوثيقيًا لكتاب الدكتور حسن بن محمد "الخليج: قراءة تاريخية في الخرائط الأوروبية القديمة"، حيث يقدم الباحث محمد همام فكري دراسة كارتوجرافية في تمثيل الخليج العربي عبر الخرائط الأوروبية، منذ العصور الكلاسيكية حتى العصر الحديث.
بدأت فكرة هذا العمل منذ منتصف التسعينيات ضمن مشروع لتوثيق وحصر الخرائط التاريخية في مكتبة التراث العربي والإسلامي (مكتبة الشيخ حسن سابقًا)، وتطوّر لاحقًا إلى دراسة طوبونيمية تتبعت تحولات أسماء المدن والمواقع الخليجية من عام 1478 إلى أوائل القرن العشرين، مرافقة بشغف المؤلف بتاريخ وفن وصناعة الخرائط.
يركز الكتاب على تطور الفكر الخرائطي الأوروبي منذ القرن الثالث عشر، ويعزو بدايات النهوض إلى حركة الترجمة للتراث العربي واليوناني، والكشوف الجغرافية الكبرى، واختراع الطباعة، كما يناقش تطور أدوات رسم الخرائط، كالمقاييس الدقيقة وخطوط الطول والعرض، ويعرض أبرز المحطات التاريخية مثل خريطة مركيتور (1569م)، ومساقط لامبرت وبون في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وتناول كذلك تقنيات طباعة الخرائط، من الحفر على الخشب والنحاس إلى الطباعة الحجرية وتلوين الخرائط يدويًا، مع تسليط الضوء على استخدام الألوان والرموز البصرية والتزيينات الفنية التي ميزت كل مدرسة خرائطية، وصولًا إلى تطور المساحة الدقيقة بفضل أدوات مثل الإسطرلاب، والآلة السدسية، والتودوليت.
اعتمد المؤلف في عرض الخرائط على منهجية علمية دقيقة، قائمة على عناصر وصفية تشمل:
عنوان الخريطة ومكانه الفني، المؤلف أو منسوب إليه العمل، تاريخ الإصدار ومكان الطباعة، مقاييس الرسم، وأبعاد الخريطة، واللغة المستخدم، الملاحظات النقدية حول الدقة والتحريف أو النقل.
كما وُضعت أسماء المواقع المقابلة للأسماء المشوهة أو الخاطئة التي ظهرت في خرائط قديمة، كتسمية قطر بـ"قاتما" أو أم القيوين بـ"ميكهوان"، استنادًا إلى مراجعات مقارنة بين مصادر عدة.
يستعرض الكتاب كذلك مسيرة المؤسسات الغربية في المساحة، مثل إدارة المساحة البريطانية (1791)، ودائرة المساحة الجيولوجية الأمريكية (1879).
ويخصص المؤلف مساحة وافرة لعرض المدارس الجغرافية الأوروبية التي صاغت الخريطة الذهنية لأوروبا عن الخليج:
المدرسة الهولندية (ميركيتور، أورتيليوس) والتي شكلت العصر الذهبي للكارتوغرافيا.
المدرسة الإيطالية (جستالدي) التي قدمت أول أطالس "جيب".
المدرسة الفرنسية (سانسون، ديليسل) التي رفعت من شأن باريس مركزًا للكارتوغرافيا.
المدرسة الإنجليزية التي بلغت ذروتها خلال التوسع الاستعماري في القرن التاسع عشر.
وفي قسم الخليج العربي، يبرز الكاتب كيف كانت العوائق الطبيعية، مثل الشعاب المرجانية والمياه الضحلة، سببًا في تأخر دقة المسح البحري الأوروبي. كما يجمع بين السرد الجغرافي والأدبي والعلمي، معتمدًا على شهادات رحالة وبحارة، ومصادر عربية وأجنبية، منها أعمال الدكتور سلطان القاسمي، وخالد العنقري، وسلوت، وتيبتس، وغيرها.
يُتوّج العمل بتقديم مجموعة نادرة من الخرائط الأوروبية التي يصعب الوصول إليها، ما يُتيح للباحثين فرصة فريدة لرؤية كيف تغيّر تمثيل الخليج العربي بصريًا وثقافيًا في الذهن الأوروبي.
والخلاصة إن هذا الكتاب ليس مجرد كتاب عن الخرائط، بل هو مرجع معرفي شامل يوثق التحولات الجغرافية والثقافية في تمثيل الخليج، ويثري المكتبة العربية بجهد رصين وطباعة فاخرة، في شراكة علمية تليق بمكانة الخليج عالميًا.